البئر الداخلي – ما وراء سلوكياتنا وخلافاتنا في العلاقات

لو عُدنا إلى الطفولة وتخيّلنا أنفسنا أطفالًا نلهو، وبجوارنا بئر بمنظره الخيالي الجميل الذي يتزين بالدلو المربوط بحبل مُعلَّق من أحد أطرافه. وقمنا مثل الأطفال بإلقاء حجر بداخل هذا البئر، وانتظرنا لنسمع صوته، وإذ بالبئر العميق يبتلع هذا الحجر ورغم أننا نختار الحجر الأكبر الذي سيصنع صوتًا ضخمًا، إلا أن النتيجة ستكون محبِطة. فالبئر العميق ابتلَعَ الحجر ولم يصدُر عنه سوى صوت خفيف بالكاد نسمعه!

أو قد نلعب لعبة أخرى، فنُصدر أصواتًا داخل البئر، وإذ بها تتضخم لتصنع ضجيجًا يفوق مصدرها. نعم إنها مجرد ألعاب، ولكن تعالَ معي في هذه الرحلة لنتأمل أمرًا.

إن بداخل كل منّا بئرًا عميقًا تكوَّن مع مرور الزمن، تكوَّن من مواقف، وحرمان، وإساءات، وخوف وتهديد، من مشاعر وأفكار أنتجَت معتقدات وكوَّنت هذا البئر العميق.

إن أزمة هذا البئر الكبيرة ليس في وجوده فقط، ولكن في اختفائه. نعم فهو غير مرئي بل أحيانًا كثيرة نتجاهله أو نتناساه، ومع الوقت نحيا وكأنه غير موجود.

ولكن عندما نتعامل سويًا تبدأ المفاجأة.. نعم

هل حدَثَ معك يومًا أنك تفاجأتَ من رد فعلك نحو تصرُّف معيّن نحو شخص، وكان هذا التصرف بسيط ولكنه أحدَث ضجيجًا، كما أحدَثَ صوتك الضعيف داخل البئر ضجيجًا؟ وكأن هناك بداخلك كثير من الوجع ظهَرَ فجأة مع هذا التصرف البسيط “حتى من وجهة نظرك”!

أيضًا هل تعجّبتَ من تقليلك لتصرف أو موقف أو مفاجأة أو هدية، ورغم ما عاناه الآخَر لكي يُسعِدك، إلا أنك لم تنبهر بل حتى لم تبدو سعيدًا وكأنّ شيئًا لم يكن!

الإجابة هنا.. “هناك بئر داخليّ”

لذلك، في تعاملاتك عليك بملاحظة التالى:

أولاً: أن تعي ذلك، أن تُدرك وتفهم ردود أفعالك حتى لا تخسر الآخَر، وحتى لا تتعامل في حاضرك بُناءً على ما حدَث في ماضيك.

ثانيًا: يجب أن تتعامل مع بئرك، تتقبله أو تغيُّره. هل تتذكر دعاء السكينة؟

“اللهم امنحني السكينة لأتقبّل الأشياء التي لا أستطيع تغييرها،

والشجاعة لتغيير الأشياء التي أستطيع تغييرها،

والحكمة لمعرفة الفرق بينهما”.

ثالثًا: أدعوك صديقي كي لا نتعامل معًا بُناءً على الظاهر فقط، فهناك عالَم داخليّ يتحكم فينا. فأرجو أن نُقدِّر ونعي هذا، فنفهم حقيقة ما وراء سلوكياتنا. فقد تراني عنيفًا وأنا أعاني الوحدة، أو منطويًا وأنا أصارِع الخوف. دعونا نعطي لبعضنا هذه المساحة التي تسمح بالتعافي.

لعلاقات صحية أكثر في البيت والعمل..

نشجعك للاشتراك فى كورسات نور. اكاديمى الاحترافية – من هنا

كتبه: هنرى مريس- أخصائى الطب النفسي وعلاج الإدمان – نور دوت اكاديمي

انتقل إلى أعلى