الأسَر المضطربة

فكِّر معي عزيزي القارئ في أول معنى يأتي إلى ذهنك عند سماع هذا المصطلح.

بالنسبه لي أول معنى جاء في ذهني عند سماع هذه المصطلح أنها الأسَر دائمة الشجار والضرب بالأيدي، أو أن أحد أفرادها مدمن مخدرات مثلًا. أو هي الأسَر التي لا يوجد بها قوانين، مفككة من كل الاتجاهات.

وبعد الدراسة اكتشفتُ أن هذا المعنى ليس هو الوحيد للأسَر المضطربة.

أولًا لابد أن نعرف أن الأسر المضطربة هي التي ينتج عنها أطفال غير أسوياء نفسيًا. أطفال يعانون في الصغر، ويعانون أكثر عندما يكبرون. أطفال يعيشون على الخوف والخزي، أكثر من الأمان والثقة في أنفسهم وآبائهم. فهُم بنات ورجال المستقبل الذين لا يستطيعون أن يواجهوا الحياة أو يتعاملوا معها، لانهم يفتقدون لمهارات الحياة الأساسية.

فالأسرة المضطربة هي الأسرة التي اعتادت على إيذاء أبنائها، حتى أصبح الإيذاء القاعدة الأساسية في التعامل معهم.

فكل أدواتها في التربية وفي التعامل مع أطفالها هي الضرب والصراخ والتهديد بشكل مستمر.

وهناك بعض السمات فى الأسَر المضطربة مثل:  إن كان بها قوانين، أن القوانين لا ُتطبَّق على الكل. فتجد أن الآباء مثلًا يتعاطفون مع الطفل الصغير على حساب الكبير. فالطفل الكبير عندما يُخطئ يحاسَب ويُعاقَب، والصغير يلتمس له الأهل العُذر. أو عندما تُخطئ الفتاة يكون رد الفعل معها عنيفًا، وتكون الحجة أن البنت لابد أن تتعلم الأدب من صغرها، والولد لا يُحاسَب بنفس الطريقة. وهذه التفرقة في المعاملة تُحدِث شرخًا كبيرًا داخل الطفل الذي يتم معاقبته، ويرى أخيه لا يتم محاسبته مثله.

وكانت المفاجأة بالنسبة لي أن أعرف أن الأسرة المضطربة هي التي لا تسمع لمشاعر أولادها.

فتمنع الولد أن يبكي أو يعبِّر عن مشاعره، لأنه في وجهة نظرهم يجب أن يكون قوي الشخصية ويتحمل من صِغره ويكتم مشاعره ولا يعبِّر عنها بأيّ شكل.

وحتى البنات لا يستمع إليها الآباء والأمهات لمشاعرهم، فيتجاهلون مشاعرهن مرة أو ينتقدوهن لأنهن شعرن بشعور معيّن، يراه الأهل شعور سلبي وغير مقبول ويجب ألا تشعر به. فتختار الفتاة على مدار الأيام أن تكتم مشاعرها، ولا تعبِّر عنها وتنحصر في نفسها. وهذه الطريقة تؤثر بشكل كبير على قرارتها وعلى نفسيتها، فتُعرِّضها لأوقات اكتئاب كثيرة في حياتها، والشعور بالوحدة يصبح هو المسيطر عليها.

الأسرة المضطربة هي الأسرة التي ينشغل فيها الأب والأم بمَن يأخد السُلطة في البيت. فيصبح البيت مثل حلبة المصراعة، كل منهم يسعى للسيطرة والفوز بالسُلطة. ونتيجة لذلك ينسوا أولادهما، فهما مشغولان أكثر بأنفسهما وبتحقيق نفسيهما. فيعيش الأطفال داخل هذه الأسرة في غربة ووحدة. فهُم مهمِلون في كل تفاصيل حياتهم، أو يدخلون في صراع أبائهم فيكونوا جزءًا من صراعهم على السلطة.

أطفالنا يحتاجون إلى أسَر صحية تعيش أحيانًا في أزمات وضيقات، ولكنها متماسكة وقادرة على البقاء رغم كل الضغوط.

هي الأسر التي تستطيع أن تسمع مشاعر أولادها ولا تحكم عليها، تستطيع أن تطبِّق القوانين على الكل دون تفرقة بين الصغير والكبير أو البنت والولد. الأسرة الصحية فيها يعرف الأب والأم دورهما، ولا يسعى طرف فيها للسيطرة على الآخَر.

دعونا نسعى لنكون تلك الأسَر التي يستحق أولادنا العيش فيها بكل أمان وثقة.

قد يكون من المفيد متابعة كورس العائلة الفاعلة  وكورس التربية الإيجابية على موقعنا.

أعدها لك: أمل غالى – اخصائية ومدربة التهذيب الإيجابي – نور دوت أكاديمي.

انتقل إلى أعلى