ينظر العالم الآن ليس فقط لمعالجة الأمراض العضوية والنفسية ولكن لمساعدة الإنسان ليحيا حياة أكثر سعادة. تقوم كثير من الدراسات بقياس معدل رضا الإنسان عن حياته وكيفية استمتاعه بحياته. بعد دراسات كثيفة تبين من خلالها أن ليس كل من تراه يلمع فهو ذهب. فليس كل من يبتسم ولديه الصحة الجيدة أو المال والنفوذ أو الأسرة الجيدة ويبدو سعيدًا هو في الحقيقة سعيد.
إن أقل درجات السعادة هي اللذة وهي الناتجة عن امتلاك شيء أو فعل محبب قانوني وشرعي ينتج شعور مؤقت بالراحة أو النشوة كمن يتناول وجبة لذيذة أو يقوم بشراء ملابس جديدة أو يجد عملًا. كلها خطوات يركز عليها الإعلام وكأنها منجم السعادة الخفي. كلما أكلت هذه الوجبة أو سافرت أو اشتريت ستدخل نادي السعداء. ولكنك ستعرف في النهاية أن هذه دعاية فقط. وعلى الصعيد الأخر فإن نفس الدعاية للشعور باللذة ولكن بطريقة غير شرعية أو مضرة تكون للاستمتاع بإدمان الطعام وخاصة السكر أو الكحول أو السجائر أو المخدرات أو حتى العلاقات الجنسية. ولأنها لذة مؤقتة تضطر دائما للحصول على جرعة اخرى دائما سواء للأفعال القانونية والغير قانونية .فتجد نفسك تلهث باستمرار لتشعر بالنشوة.
أما النوع الثاني من السعادة فهو سعادة الانشغال والتدفق ويشعر بها الإنسان الذي يكرس نفسه لتحقيق هدف في عمله، مثلًا لاعب كرة القدم أو أي لعبة رياضية أو الموسيقيون، الفنانون، الأطباء أو أي شخص يمارس مهنته بشغف بحيث لا يشعر بالملل على الاطلاق أثناء عمله أو من الممكن أن يكون هدفًا اجتماعيًا كأن ينخرط الإنسان في علاقة اجتماعية ينسى فيها وقته ولا يشعر بأي ضجر وينسى نفسه ويستمتع بوقته ولكن تأثير الشعور بالرضا والسعادة هنا أكبر من اللذة المؤقتة ولكنه شعور بالتدفق والرضا عن الحياة ولكن بدون ابتسامات أو ضحكات. إنه شعور عميق بالوجود والرضا عن النفس والحياة.
أما النوع الثالث وهو الأكثر عمقًا وأكثر استمرارًا الشعور بالامتنان الداخلي لتكريس الإنسان نفسه لخدمة قضية أو هدف اكبر منه. هدف يصب في التأثير على المكان الذي ينتمي إليه. هدف يجعل الحياة أفضل ليس له وحده ولكن لأخرين أيضًا. السعادة الناتجة عن عطاء الوقت والجهد والفكر والمشاعر لقضية أكبر. لقد وجد أن الأشخاص الذين يعيشون هذه السعادة لا يعانون من أي أمراض نفسية كالاكتئاب أو القلق، لديهم مرونة كبيرة في تقبل الحياة والناس وحتى اللحظات السلبية.
وبمتابعة كل هؤلاء لمعرفة تأثير السعادة على صحتهم، انتاجهم واعمارهم. ستكتشف أنه كلما ذهبت لأنواع السعادة الأكثر عمقًا كلما ازدادت جودة الحياة وأصبحت أكثر صحة وأكثر عطاءًا وإنتاجًا وأيضًا كانوا الأطول عمرًا.
إذن ليست السعادة في الاقتناء كما تصورها اعلانات التلفاز أو لافتات الشوارع إنما هي في إيجاد الشغف الحقيقي في الحياة والعمل به، حينها ستجد باب السعادة، باب السعادة الحقيقي.