هل توجد أمهات لا تعاني من عِناد أطفالهن؟
هذا السؤال جاء إلى ذهني في الفترة الأخيرة بعد كمّ الشكاوى التي سمعتها من الأمهات عن معاناتهن مع عِناد أطفالهن.
تقريبًا معظم الأمهات عبّرن عن إحباطهن من أولادهن، وهُم يُصرِّون على رأيهم بكل جرأة أمام أهلهم. فترجع الأم بالزمن وتتذكر أيام طفولتها، وكيف كانت تقول “حاضر” على كل طلبات أهلها.
وبعض الأمهات يشعُرن بالعجز الشديد أمام عِناد أطفالهن، وهذا الشعور يجعل تصرفاتهم عنيفة معهم، أو كلها غضب، فتكون النتائج غير إيجابية.
وأنا مثلكم كأم، أحاول أن أعرف أسباب العِناد لدى الأطفال، وكيف أتعامل معه.
تعالوا نتعرف أولًا على كيفية حدوث التغيير في أبنائنا.
في أول سنتين في حياة الطفل، يعتقد الطفل أنه هو وأمه شخص واحد. فهو لا يُفرِّق بينه وبينها، بالنسبة له هما كيان واحد.
وبعد ذلك يدرك الطفل أنه إنسان مختلف عن أمه. وتُسمَّى هذه المرحلة مرحلة (بناء الذات). في هذه المرحلة يحتاج الطفل أن يثبت أنه كيان منفصل، وله شخصية مستقلة، والتحدي الذي يواجِه الأم هنا أنها تستطيع التعامل مع هذا التغيُّر في ابنها. فهو لا يقول غير كلمة “لا”، دائم الاعتراض على كل شيء.
في هذه المرحلة تحتاج الأم أن تتفهم أنها مرحلة نمو في حياة ابنها، ولابد من المرور بها، فهي مرحلة أساسية تُبنى فيها شخصية الطفل. وإن استطاعت الأم أن تترك لابنها المساحة أن يختار ويقول رأيه وتحترمه دون توبيخ أو غضب، وتعطي له اختيارات ولا تفرض عليه شيئًا إلا إذا كان خطرًا حقيقيًا عليه؛ ستمُر هذه المرحلة بسلام دون أيّة مشكلات.
اشترك فى كورس مراحل النمو النفسى للطفل
لتدرك سمات طفلك، وتسدد أهم احتياجاته في كل المراحل العمرية.
ولكن إذا استفز العِند الأم، وأصبح الصراع على مَن يكون المسيطِر؛ ستعيش الأم والطفل في مرحلة صعبة، وقد تستمر طويلًا. بالإضافة إلى أن الطفل يفقد جزءًا أساسيًا من شخصيته، وهو إحساسه بأن له احترام، وإنه كيان مستقل. مما يسبِّب كثير من المشكلات في المستقبل.
أما بالنسبة لعِند الأطفال الأكبر سنًا، فله أسباب كثيرة سنتعرف عليها سويًا.
وراء كل سلوك يفعله أطفالنا أسباب، فالأطفال هم نتاج طريقة معاملتنا معهم.
يقول عالِم النفس الشهير ألفريد إدلر: “إن كل سلوك يسلكه الطفل له غرض، إمّا أن يشعر الإنسان بالانتماء (بالحب والاهتمام)، أو يشعر بالتأثير (يساعد ويؤثر فيمَن حوله).
إذًا فعِناد أولادنا له أسباب، هي فقط أن لديهم احتياجات غير مسدَّدة، تجعلهم يتصرفون تصرفات شكلها الخارجي مستفِز ومرهِق نفسيًا.
فرسالة الحب في الغالب لم تصِل إليهم بشكل كافٍ. فرغم أننا نحبهم بكل قلوبنا، إلا أننا أحيانًا لا نُجيد طريقة توصِّل ما في قلوبنا إليهم. فكل طفل له لغة للحب، يفهم من خلالها كيف أنه محبوب من أهله.
اشترك فى كورس “لغات الحب الخمس للأطفال”
واعرف لغة الحب الخاصة بابنك، وتعلم طرق لتعبر عن حبك بطريقة يحسها ويفهمها.
كما أن شعور الطفل أنه وجود ليس له تأثير ومعنى في البيت، يؤثر فيها تأثيرًا مؤلمًا. فهو يقول لنفسه: “انا غير مهم عندهم، أنا كل دوري أن أنفِّذ تعليماتهم فقط”. وهذا يجعله يلجأ للعِناد ليقول: “أنا موجود ومؤثِّر، ولي الحق أن أعترض”.
في حين لو أعطى الأم أو الأب للطفل أهمية في المنزل من خلال أخْذ رأيه في بعض الأمور الخاصة بالبيت، أو تخصيص وقت له، والجلوس مع الطفل والتحدث معه في أمور يحبها، والإنصات له بفاعلية عندما يتكلم معهم في أمور تخصه. وقتها يُشبِعا لديه احتياجه للحب والأهمية، فيقِل جدًا عنده. فهو لن يحتاج إلى العِناد بعد ذلك، فالأهل يحبوه ويسمعوه ورأيه مقبول ومحترَم لديهم.
كما أن كثرة الطلبات التي يطلبها الأهل من الأطفال، وكثرة قول كلمة “لا”، تجعل الطفل يُعانِد معهم أكثر. فالاطفال تحتاج لمساحة من الحرية.
أدعوك عزيزي القارئ أن تُعيد التفكير مرة أخرى في فكرتك عن عِناد الأطفال، وتنظر للموضوع بنظرة مختلفة. لكي تستطيع أن تتعامل مع أولادك بقرب وعلاقة قوية، ولا تعطِ فرصة للتحدي وفرض الرأي أن يشوِّه العلاقة بينكم.